16 أكتوبر 2008


علي أرضك يا بلدي

بعد ما طلبت مرشدة الإستقبال من الجميع النزول لمستودع السيارات و الركوب فيها إلي أن يحين موعد فتح الأبواب، كنت أسعد مخلوقات هذه الأرض، بعد دقائق سوف أشم نسيمك العليل يا بلدي، سأضمك برموش عينايا و أقبل ترابك الغالي، أجل سأركع لله شكرا و ألمس أرضك بجبهتي، ركب الجميع السيارة و الآن ننتظر أن تفتح أبواب الباخرة،لم يسكت الهاتف عن الرنين: ها إنتو فين؟ لسه؟ ماشي نتصل بعدين، فجأة فتحت الأبواب و إخترقت الشمس ظلام مستودع السيارات بالرغم من الأضواء الأخري و لكن ضوء الشمس مختلف، أجل يشعرني بالأمان و الدفء، يشعرني بأني أريد المُضِيَ قُدُما، آآآآه متي سينتهي هذا الصف؟

بعد عناء دام حوالي نصف ساعة وصلنا إلي آخر محطة و هي التفتيش، كنت قد إفترقت عن أصدقائي كل في لجنة مختلفة، و أنا؟؟ نزلت من السيارة حاملة الجوازات أنتظر دوري، و كنت أنظر لسيارتي و أقول بيني و بين نفسي: أظن أن أمي إشترت إيطاليا كلها، ممممممم يا مصيبتاه يعني إذا طلب مني الشرطي إنزال كل الحقائب سأستغرق أيام لأرجعها، مسكينة أنتي يا سيارتي كم من الأطنان تحملين.

و كالعادة صمتي قد قطعه هذا الصوت: أهلا و سهلا.......أهلا بحضرتك، ها فيها إيه الشنط، في إلكترونيك أو حاجة من الحاجات إلي في القائمة؟ لا يا أفندم (بيني و بينكم كنت بحضر نفسي عشان أسمع نزلي كل حاجة) بس مقلش، آه والله، قال بس يا رب تقضي أجازة حلوة. و أنا هرولت و دخلت السيارة بعدها قلت شكرا، لم أصد نفسي و أنا أري أصدقائي في الجهة الأخري يحاولون فك الحبل علي حقائبهم، تركتهم و قد كنت متأسفة جدا و لكن قلبي و عينايا كانت تنظران إلي الجهة الأخري، كنت أحاول أن أري أحدا من أقربائي فجأة و بما أني السيارة الوحيدة المتجهة نحو الباب فلحظت أن أحده يلوح لي بيديه، أمعنت النظر و إرتسمت إبتسامة عريضة علي شفتيا و قلت لوالدتي إنه خاااالي، الحقيقة و كالعادة فضحت الدنيا بصوتي العلي و كانت الساحة ملآنة و كأن هناك زنزانة وراء تلك البوابة و نحن المساجين، حقا إنها سجاننا و جلادنا و منفانا، أتدرون عمن أتحدث؟؟ الغربة أجل الغربة التي فرقتنا عن الأحباب و الأصحاب، الغربة التي فرقت بيني و بين قبر والدي، آآآآه منها و من قسوتها.

رغدة يا رغدة رحتي فين يا بنتي حتخنقيني، هو أنا وحشك للدرجة ديه؟
آه آسفة، ده إبن عمتي، هو أغلي أخ في الدنيا
رفعتي راس أبوكي و هو أكيد فخور بيكي و إلي ربي ما ماتش
فعلا أبي يعيش داخلي و أمام عيني....
هيا، الآن سيركبخالك معكم و أنا سآخذ أخاك و إتبعيني

كان الجميع سعيدا و انا مشتاقة جدا لبلدتي و عائلتي، و إنطلقنا و قد توكلنا علي الله، كنت أتبع إبن عمتي و هو كان بين الفينة و الأخري يخرج يده من نافذة السيارة كأنه يقول هيا إسبقيني إن إستطعت، طبعا هو يعرف أني لا أعرف الطريق لهذا كان يفعل ذلك، و في أول إستراحة توقفنا فقد أردت إستعمال الهاتف

مين معايا؟
يا عم لا سلام و لا حتي آلو
هو إنتي؟ عايز أعرف ليه مفتشوكيش؟
عشا أنا رغدة هههههههه
لا فالحة و الله مش مصدق و الله يا معارف يا حظ و أنا عارف حظي و حظك أحلي من بعض يبقي معارف ههههه
منين يا عم؟ ما إنت عارف إني بكره الواسطة بعدين فكر كده مع إيطاليا إلي جايباها ماما، أكيد شاف إني لوحدي مستحيل أنزل أو أطلع الشنط في أقل من ليلة هههه طب قولي بالحق هو إنت بتسوق؟
آه بتنيل و أسوق بس أقنعتيني هههههه
أمال ههههههه طب ماشي نتكلم بالليل، هو فاضل ساعة و أوصل للبيت يلا سلام
سلام
إستني إستني، لا إلاه إلا الله
(بإبتسامة) سيدنا محمد رسول الله

و إنطلقنا ثانية و لا ننسي توكلنا علي الله، لم يبقي الكثير و الآن إن تركني إبن عمتي وحدي لن أتوه. كان يدور في ذهني شيئ أتمناه دائما " أمي أطلبي من حكيم أن يذهب و نحن وجهتنا الأولي لن تكون البيت"
إذن إلي أين؟ بكل إستغراب........
إلي أين تعتقدون أني ذهبت؟؟؟؟

هناك تعليقان (2):

romansy يقول...

اسلوبك جميل قوى فى سرد الاحداث
حمد الله على سلامتك
انا شايف انك اول حاجه طبعا لازم زوريها هى قبر بابا
علشان تفرحيه بسلامتك وعودتك
الله يرحمه
ويبارك فيكى

saragebaly يقول...

صديقتي الجميلة رغدودتي

فرحة المغترب بالعودة لبلاده كفرحة الابن التائه عندما يجد امه يجري عليها وهو فاتح ذراعيه ودموع الشوق والحب بتجري على الخدود

ربنا ما يحرمك ابدااا من بلدك تونس ويخفف عنك وحشة الاحساس بالغربة


اما بقى عن المكان اللي زورتيه هو طبعا قبر والدك رحمه الله واسكنه فسيح جناته
ودة مش غريب على انسانة فيها كل المشاعر والاحاسيس اللي فيكي يا رغدة

واذا كان وانتي بعيدة عن قبره بتفتكريه وتكلميه فمابالك بالبلد اللي فيها القبر

بس هقولك زي ما ابن عمك قالك

اللي خلف مامتش يا رغدة

ربنا يبارك فيكي ويفرح والدك بيكي في قبره ويجمعك واياه مع نبيه محمد في جنات الفردوس الاعلى

تحياتي لك صديقتي الغالية والى مشاعرك القيمة
ونقووووول
سلام مؤقت بتوقيت قلوبنا يا اجمل قلب سكن قلبي

سارة