18 يوليو 2009

الحلقة الأولى

خرجت مسرعة من المستشفى بعد أن أمضت ليلة متعبة نائمة على كرسيّ بجانب سرير والدتها المريضة, منذ أسبوع و هي على هذه الحالة تنام ساعة و تبقى مستيقظة الساعات المتبقيه. هذا اليوم ستعود للعمل بعد إجازة أسبوع قضتها في المستشفى, كانت مسرعة جدا كي لا تفوتها الحافلة و هي تقّبل والدتها و تطلب منها الدعاء و الأم تبتسم و ترفع بعينيها نحو السّماء داعية لإبنتها.. المحطّة ليست ببعيدة على المستشفى, كانت تمشي بخطوات تكاد أن تصبح جريا. وصلت في اخر لحظة و ما إن لمحها السائق حتى فتح الباب هو سائق كلّ يوم, فبادرها قائلا و هي تصعد :

ـ صباح الخير فرح ما بك تلهثين... كالعادة تأتين في اخر لحظة.... كم أنت محظوظة

ردّت فرح و الإبتسامة إندمجت مع نفسها الذي كان يخرج بصعوبة من الجري :

ـ صباح الخير.... أشكرك لأنك توقفت أول ما رأيتني فهذا أول يوم في العمل بعد أن أخذت أسبوع إجازة. أما عن أني محظوظة فيجب الحديث طويلا عن هذا الأمر... حسنا سأذهب لمقعدي المعتاد .

فرح لا تجلس في أوائل المقاعد و لا في أواخرها و لكن تختار الوسط لأنها ترى أغلبية الركاب لا يختارون الوسط و هي تفضّل الهدوء دائما, تحب أن تسند رأسها على البلّور و تتوجه عينيها نحو كلّ ما هو خارج الحافله متخيلّة أنّ كلّ ما تقع عليه عينيها يلقي عليها التحية, كانت تبتسم كعادتها و ربما البعض إذا لم يكن من معارفها ظنّ أنها مجنونة تضحك لوحدها... وضعت يدها في حقيبتها و أخرجت السّماعات و ووضعتها في أذنيها و أخذت تسمع ما تيسّر من القران و أغمضت عينيها. لم تشعر بالحافلة عندما توقّفت و لكن إنتفضت من مكانها عندما وجدت يدا تهزّها بقوّة و فتحت عينيها مرعوبة و رأت من هزّها بتلك الطريقة فضحكت ضحكة كتمتها بيدها و قالت :

ـ لا ينقصني سوى أن ترعبيني أنت... إنتظري لحظة حتي أنزع السماعات و سوف أُريكي.

كانت هي ، صديقة الرحلة الصباحيه التي تقوم بها فرح نحو العمل و هي أيضا زميلة في نفس المكتب الذي تعمل فيه فرح... إنها أوليفيا.

ـ صباح الخير صديقتي... هل أخفتك؟ هذا يدلّ على أنك لم تكوني هنا بعقلك..فيما كنت تفكّرين أو بمن كنت تحلمين؟

ـ حبيبتي لا وقت للأحلام, و لكن كنت أفكر في أمي التي تركتها لوحدها في المستشفى متذكّرة الحوار الذي دار بيني و بينها و أنا الان أحاول إستعاب كلماتها.

ـ أي حوار هذا الذي لا تستطيعين إستيعابه؟؟ فضفضي ربما أستطيع مساعدتك.

ـ لا أظن و لكن سأخبرك لأن تفكيري قد شلّ... لقد أخبرتني أمي بأشياء شعرت بعدها بأمنية الموت, أعلم أن هذا لا يجوز و تعلمين أنّي مؤمنة و لكن بعد أمي لا أحد لي... فبعد موت والدي بقيت معها وحيدة دون وجود أخ يحميني أو أخت تشاركني همومي.

قاطعتها أوليفيا مستغربة :

ـ و أنا؟؟؟؟ ماذا أكون؟؟؟ ألست أختك؟ ألا تعتبرينني أختا لك؟؟؟ أم أنّ الصداقة لا يمكن أن تصبح أخوّه.

ـ لم أقصد أن أجرحك يا أوليفيا و لكن أنا أتحدث عن الأخت التي تمنّيت أن تكون موجودة... أختا من لحمي و دمي أو أخا يساعدني كلّما إحتجته... على كلّ ما علينا... أريد أن أكمل ما حدث, أمي طلبت مني أنه لو حدث لها شيء ما فلا يجب أن أعود للعيش في بلدي الأم لأني سأتعب كثيرا بما أن حياتي هنا... و أوصتني أنها لو لا قدّر الله توفّيت فيجب أن لا ندفنها هنا بل عليّ العودة بها لبلدنا... هذا حتي و إن لم توصني به كنت سأعمل به و سأنفذه و لكن لما الان تقول لي هذا الكلام؟؟ لما تريد إخافتي؟؟ لا أريد أن أبقى وحيدة يا أوليفيا فالوحدة تَقتل شيئا في شيئ.

ضمّت أوليفيا فرح لصدرها و هوّنت عليها حزنها بكلمات تثلج الصدر :

ـ حبيبتي فرح لا أريد أن أعيد قول أني دائما معك و إلى جانبك و لكن أريد أن أذكرك بشيئ لا طالما قلته لي, الإيمان. أنتي مؤمنة و لا طالما أخبرتني عن دين الإسلام و عن إلاه الإسلام و عن الصبر الذي يجب أن تصبريه و عن الإمتحان الذي يضعكم فيه الله... صحيح أني لست بمسلمه و لكن لا طالما لمست الإيمان في عينيك... كيف تفعلين هذا بنفسك و أنتي مؤمنة بالقضاء و القدر؟؟ فلا تضيعي كلّ هذا بكلمات لن تقدّم و لن تأخّر.. لازال القليل و نصل, أرجوكي لا تحزني و لا أريد لأحد أن يرى حزنك... إبتسمي فإبتسامتك هي دواء الحزن... أتتذكرين عندما سألتك عن سرّ إبتسامتك؟؟ أخبرتني أنه لا ذنب لمن يراكي أن يرى حزنك.

فقاطعتها فرح ماسحة الدموع من على خدّها و متوجهة بالنظر لصديقتها قائلة :

ـ و قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الإبتسامة صدقة...فلما لا أبتسم؟؟ أشكرك صديقتي العزيزة.

توقّفت الحافلة في المحطّة التي تنزل فيها فرح و أوليفيا فنزلتا متمنيتان للسائق يوما سعيدا... سألت فرح أوليفيا عن الأسبوع الذي قضته بعيدا كيف كان و بينما هي كانت تريد أن تلفظ بإسم شخص ما قاطعتها أوليفيا.

ـ أمّا عن فرانشسكو فهو بخير يا عزيزتي و لكن أريد أن أوصل لكي رسالة منه قالها لي. أتريدين أن أقول أو أسكت.

نظرت فرح لها كأنها لم تكن مبالية برسالة فرانشيسكو قائلة :

ـ إن أردتي إخباري فكلّي اذان صاغيه و إن لم تريدي إخباري فلا مشكلة فبعد قليل ستقولين دون أن أطلب منك فأنتي لا تستطيعين إمساك لسانك عن الكلام.

ـ حسنا معك حق... أصغي جيدا لي فالكلام مهم جدا الذي قاله فرانشسكو و يهمّك جدا. فرانشسكو يريد أن يرتبط بكي و قد أخبرني أنه معجب بكي كلّ الإعجاب لأنك و حسب قوله أنت مختلفة عن جميع الفتيات اللاتي عرف...

كانت الصدمة قد أخرست فرح و الدهشة كانت ستنطق من تعابير وجهها, و لكنها حاولت إخفاء إرتباكها محاولة الإنشغال بتصحيح حجابها خوف من ظهور خصلات من شعرها و لكن إتطمئنت عندما أخبرتها أوليفيا أن تطمئن فالحجاب موضوع كما يجب..فبادرت فرح بالحديث و الرعشة لم تكن خفيّة عن صوتها :

ـ و ماذا بعد؟؟؟ يعلم أني مختلفة عن من عرف, إذن لما يريد أن يجعلني مثلهن؟؟؟ يعلم أني مسلمه و الصحوبيه ليست من تعاليم الإسلام و يعلم أن زوجي يجب أن يكون مسلما... و أنا لا أظن أنّ فرانشسكو ممن سيفكر في تغير ديانته لأجلي... أنا لست ضد الدين المسيحي و لكن يجب أن يعلم عمّا هو بصدد أن يفعل.. سأخبرك برسالة أتمنى أن توصليها له دون زيادة أو نقصان, إن كان مستعدا أن يكون شخصا غير الذي هو عليه الان و إن كان مستعدا أن يتقدم لخطبتي و الزواج بي حسب الأصول فلا أرى مانع, أما إذا أرادني صديقة دون أسس فليبحث عن أخري..... و الان هيّا ندخل فلقد وقفنا طويلا أمام باب الشركة و لا أريد مشاكل مع المدير.

فرانشسكو هو زميل لفرح في العمل و يعمل معها في نفس الغرفة التي تتكون من ثلاث مكاتب واحد لفرح و الثاني لأوليفيا و الثالث له هو... تعتبره فرح زميلا لا أكثر و لا أقل و حدود الزمالة لم تخرج من باب الشركه فهي تتفادى أي مشاكل بإمكانها أن تصل لغياب الحدود التي رسمتها فرح أمام نفسها و أمام الاخرين معاها. هي فتاة ملتزمة و معنى الإلتزام لا يحدّ حرّيتها في حياتها فهي تفعل كلّ شيئ بحدود أن لا تتخطى ما يقوله دين الإسلام .

فرح تتحدث دائما عن دين الإسلام لصديقتها أوليفيا و تحدثها عن رحمة الله و عن حبّ رسول الله لأمته... أما عن أوليفيا فهي تسعد دائما عندما تسمع كلمات فرح لأنها ليست كلمات في الهواء بل تحاول فرح العمل بها و النسج على المنوال الذي يريده الله و رسوله صلّى الله عليه وسلّم و أكثر شيئ تحبّه أوليفيا في دين الإسلام أنه دين رحيم و أنه يعترف بجميع الرسل كعيسى عليه السلام بينما الأديان الأخرى تحاول أن لا تعترف بسيدنا محمد و تحاول دائما أن تشوّه صورته أمام جميع الناس .

يتبع .....



هناك 6 تعليقات:

ghorBty يقول...

السلامـ عليكمـ

سعيده كوني اول تعليق علي هذه القصه التي وضحت من بدايتها انها رائعه بالفعل وكم اشتاق من الان لمعرفه ما سوف يحدث مع فرح في غربتها جميلة هي الاحداث واللقطات التي وضعتيها يا رغده وكم احببت فرح من كلامك عنها فحالها في الحافه ذكرني بحالي وانا ذاهبه الي العمل هكذا اكون بالضبط وكمـ سعدت بحالها واعتزاها باسلامها في غربتها ولكن ما ينتظرها هو اختبار بالفعل ومحنه ظاهرة ولكن كما يقال في داخل كل محنه منحه فدعيني لا اسبق الاحداث لاري ما سوف يحدث ..

mohamed ghalia يقول...

هايل بجد
البداية روعة
استمرى وبالتوفيق

romansy يقول...

جميل قوى يا رغده اننا نقول ونتكلم عن اسلامنا الحنيف بس للى يسمع واللى يحس واكيد لازم نكون قدوه للى قدامنا ونديله صوره كويسه عن اسلامنا وازاى بين لينا المعاملات الاسلاميه الجميله فى الحوار وفى دنياتنا


استمرى يا رغده

بالتوفيق

شبه إنسانه .....( سهوره ) يقول...

رائع إبداعك ِ صديقتى

تقبلى إعجابى الشديد بقلمك

تحياتى

سهر عافية

طوبه فضه وطوبه دهب يقول...

bgd bgd t7fa tslm aydk ya amraya mstnya el bakya

Kiara يقول...

البداية مشوقه جداااااااا

في انتظار البقية